الادبية, الثقافية و الفنية

التثاقف” مقابل “الإستيلاء الثقافي”: تعقيدات الهوية

بقلم جوليا عائشة

عند التركيز على الاختلافات بين “الإستيلاء الثقافي” الإنتقائي لعناصر في بنية ثقافة ما ومفهوم “التثاقف”، الذي تقريباً قلما سمعنا به، بغرض تشذيب التعريف المصطلحي والتمايز بين المفردات، فإن ما يلفت انتباهي على الفور هو أخذ المستولين على العناصر الثقافية بأجزاء من الثقافة الأخرى إلى خارج سياقها وأحيانًا بدون نسبتها إلى مصدرها أو الإشارة بتقدير إلى الثقافة المعنية، وهم يضفون الجوانب الجذابة فيها على سياقهم الثقافي الخاص أو يستغلونها تجاريًاً لتحقيق مكاسب شخصية خاصة بهم، دون أن يكون لها صلة حقيقية بالثقافة التي نشأت فيها. هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى، فإن جوهر التثاقف ، وفقاً لتجربتي الشخصية، هو الإنغمار في ثقافة ما على مدى عدة سنوات وقبول وتبني تقاليدها وعاداتها وأعرافها الاجتماعية وموسيقاها ولغتها ومطبخها وفنونها وحرفها. وقد يشمل أيضًا تصدير أو استيراد الأعمال اليدوية التراثية والفنية من ثقافة إلى ثقافة أخرى أو حتى المزج بين جوانب من التقاليد مع تقاليد الثقافية الأخرى ، ولكن دائمًا مع إشارة واضحة إلى الثقافات الأصلية والعلاقة الودية الأساسية والرابطة الوثيقة بالثقافات المتمثلة.

صادفت مصطلح “التثاقف” أثناء دراستي للماجستير في علم نفس الموسيقى حيث وجدت تطابقاً بين تعريف المصطلح وتجربتي الشخصية الخاصة لأن أصبح جزءًا من ثقافة أخرى غير ثقافتي الأصلية أثناء العيش والعمل في فلسطين قرابة أربع سنوات. هذه العملية كانت قد سبق التمهيد لها منذ مطلع العقد السابق ، أي قبلها بعشر سنوات ثم قبلها بخمس سنوات على مدى العقد ، من خلال العيش والسفر إلى مصر والمغرب. لا يوجد بين هذه الدول الكثير من القواسم الثقافية المشتركة مع فلسطين ، فهي تقع في قارة مختلفة – بصرف النظر عن اللغة المشتركة بينها ، وكونها ذا أغلبية مسلمة مع أقليات يهودية ومسيحية كبيرة نسبياً ، وتاريخ من الخضوع تحت الحكم الاستعماري ، وبالطبع الثقافة البدوية التقليدية. لكن على الرغم من ذلك ، فقد كان للسكن مع أسرة مسلمة في ريف مصر عندما كنت أبلغ من العمر إحدى وعشرون عامًا ، وللسفر عبر جبال الأطلس من ورزازات إلى المغرب بعد ذلك بنصف عقد من الزمن ، وللصلاة في مسجد لأول مرة ، ما هيَّأ الأسس “للتثاقف” والتي تم عليها بناء شخصيتي الفلسطينية. وشمل ذلك تعلم اللغة واللهجات المحلية ، وتعلم القراءة والكتابة مرة أخرى في سن الثلاثين، والموسيقى، والآداب الاجتماعية، وتعلم الطبخ، واعتناق الإسلام، وحضور صلاة الجمعة في المسجد الأقصى في القدس، وأخيراً الزواج في عامي اليسوعي (عندما بلغت من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً – عمر المسيح عندما علقوه على الصليب).

كان لقائي الأول بمصطلح “الاستيلاء الثقافي” في أوساط أقل أكاديمية أو إيجابية لأنه كان يستخدم كسلاح أخرق وغير مناسب إلى حد ما في توجيه الإنتقاد لأشخاص كان من الواضح أنهم خاضوا عملياتهم الفريدة والشاملة وطويلة الأمد كتلك العملية الخاصة بي. وقد دفعني هذا ، وبالإضافة إلى غيره من المواقف الصادمة المتعلقة بتصورات الناس وآرائهم وأحكامهم الصريحة الجارحة بأنني في الواقع قد جعلت من نفسي شخصاً أجنبياً في كل من بلدتي الأصلية ومجتمعات العمل ، دفعني إلى التفكير في هذه المفاهيم على مدار السنوات القليلة الماضية. شعرت أنني بحاجة إلى أن أسطر بالقلم على الورق من جهتي في محاولة لضبط الأمور في نصابها ، واستيضاح أي لبس ، وتعميق فهمي لهذه القضايا المعقدة آملة بتعميق فهم الآخرين لها أيضاً.

فك تشابك المصطلحات

هناك العديد من الأمثلة على كل من “التثاقف” و “الإستيلاء الثقافي” في ما يسمى بـ “الموسيقى العالمية” – وهي لصاقة متمحورة حول الذات الأوروبية تلصق على الأنماط الموسيقية التي هي مزيج بين الثقافات التي تنتمي إلى مناطق جغرافية محددة جداً – وكذلك وبالتساوي تلصق بثقافة الأطعمة الدولية في مدينة متعددة الثقافات مثل لندن. هناك أيضًا أمثلة مشابهة لكل من المصطلحين في صناعات أخرى متعلقة بالثقافات ، ليس أقلها صناعة الأزياء ، حيث استخدم المصممون الرئيسيون عناصر تنتمي إلى ثقافات أخرى بدون الإشارة إليها أو تمثيلها. من الأمثلة الحديثة ارتداء عارضات أزياء غوتشي للعمائم على طراز السيخ ، و “الملائكة” من فيكتوريا سيكريت يرتدين أغطية رأس من الريش على طريقة سكان أميركا الأصليين ، و “بلوزة” مطبوعة على نسق الكوفية الفلسطينية من توب شوب ، أما زارا فتبيع لونجي أو دوتي باكستاني تقليدي وبأسعار مرتفعة.

بصرف النظر عن هذا الإستغلال التجاري المصنف بوضوح على أنه “إستيلاء ثقافي”، فإن الصعوبة تواجهنا في تعريف المصطلحات عندما يتعلق الأمر بالطريقة التي يختار بها الأفراد ارتداء ملابسهم ، وهنا في الغالب يخرج استخدام مصطلح “الاستيلاء الثقافي” تماماً عن زمام السيطرة. على سبيل المثال ، إذا اختار شخص ما أن يرتدي ملابس أو قطعة من الملابس ترتبط بشكل مميز بثقافة أو أمة معينة ، بينما مظهره و / أو انتمائه العرقي يبدو غير متوافق مع تلك الثقافة ، فإن المشاهد غالباً وسرعان ما يفترض عدم وجود اتصال مباشر أو عائلي بين ذلك الشخص وتلك الثقافة وأنه بالتالي يستحوذ على جانب منها. قد يتعرض الأشخاص للإهانة و التعبير عن عدم الرضا ، دون معرفة أي شيء عن الشخص الذي يتعرضون له.

ولَّت الأيام التي كان من الممكن فيها معرفة الكثير عن شخص ما بناءً على مظهره الخارجي ، خاصةً في سياق متعدد الثقافات ، غير أن ردود الفعل هذه متأصلة في النفس البشرية ، وللأسف ، غالبًا ما يكون هناك ميل لإطلاق الأحكام أولاً ومن ثم طرح الأسئلة ، أو عدم طرحها على الإطلاق كما هو الأمر في أغلب ألأحيان. قد نشعر بأن لدينا ما يبرر ردود أفعالنا واعتلال تواصلنا ، حتى لو كان في ذلك إزعاج للشخص الآخر ، وفي أغلب الأحيان من دون التعرف على القصة الرائعة التي تكمن من وراء اختيار الفرد للملابس ، وبالتالي فقدان فرصة المعرفة ومن ثم إلحاق ضرر محتمل بشخص غريب وبدون سبب مبرر. لا أعتقد بوجود لقاءات محض مصادفة فإن هناك سببًا متبطناً لكل لقاء ، مهما كان قصيرًا أو يبدو سطحيًا أو غير مهم. إن كل شخص نلتقي به ، أو حتى نراه فقط ، لديه نوع من رسالة خفية أو عطاء أو درس ما بالنسبة لنا ، وكذلك هو الحال بالنسبة له.

الآن، سواء كنت تؤمن في هذا الاعتقاد أم لا ، تجدر الإشارة إلى أنه من دون معرفة بالخلفية الحقيقية الفردية لشخص ما ، فسيكون احتمال الحكم الدقيق الصائب ضئيل للغاية ، وأن أي حكم فوري ومتسرع او إطلاق لحكم عام قائم على المظهر هو نوع من التمييز والتعصب ، بغض النظر عن العرق أو الخلفية الثقافية أو التعليمية للشخص أو الموضوع ، حتى أن ذلك الحكم أو مجرد الفكرة أو النظرة قد تسبب الأذى. أما ردود الفعل الأكثر علانية فهي بطبيعة الحال تلحق الأذى الشديد وتحمل عواقب وخيمة في مناخنا الحالي. إن حملة الحكومة الأخيرة لتثبيط السلوكيات التمييزية ، ووصفها بأنها تحتمل جرائم الكراهية ، وفتح قنوات للإبلاغ عن الحالات التي تسببت فيها هذه الأحكام المسبقة بأضرار ، هي علامة مشجعة على أننا بدأنا في تحمل المسؤولية. بالتأكيد ، جائت هذه الحملة نتيجة لسنوات من الحملات والضغط من طرف منظمات مثل منظمة “شؤون الإيمان” Faith Matters و “أخبر والدتك” Tell Mama التي ومن خلال عملها الدؤوب والتعليم والإعلام والتواصل مع النواب واللوردات فارتقت بها لتصبح حملة وطنية. قد لا يمنع هذا تمامًا مثل هذه الحوادث ، ولكنه على الأقل سيشجع الناس على التوقف والتفكير قبل أن يتصرفوا وفقًا لتلك الأحكام.

التثاقف وتحول الهوية

تشير كلمة التثاقف في علم النفس، غالباً ، إلى سنوات تكوين الطفل في بيئة معينة وكيف يشكل التثاقف هويتهم الثقافية بالإضافة إلى المكونات الأخرى للهوية. وعلى الرغم من المسلم به بأن التثاقف في العقد الأول من الطفولة هو الأقوى وغالبًا ما يشار إليه باسم “جذورنا” ، إلا أن التثاقف عملية مستمرة ترفد هويتنا الثقافية بإضافات مهمة لتنميتنا في كل مرحلة. لذلك ، إذا كانت الإشارة بــ “الجذور” إلى العقد الأول ، زائداً أو ناقصاً سنتين نسبة إلى المتغيرات الظرفية والاختلافات الفردية ، فإنه يمكننا الإشارة إلى العقد الثاني بأنه الجذوع ، والثالث باسم الفروع والرابع بأوراق الشجر لدينا وهكذا. إذا استخدمنا التناظر و التشبيه بمراحل نمو النبات أو الأشجار ، فسنرى بأن كل مرحلة تحمل ذات المقدار من الأهمية والحيوية و بنفس الدرجة كي تؤتي الشجرة ثمارها ويعاد بذارها في نهاية المطاف زرعاً في الأرض. وبالمثل ، تعتمد كل مرحلة من مراحل التنمية البشرية على المرحلة السابقة لها ، وتزيد من تعقيدها وتساهم في ما سيعيده الفرد في نهاية المطاف إلى العالم والإنسانية. ولهذا يجب احترام كل مرحلة على قدم المساواة.

بالتالي وضمن السياق ، فإن الفكرة القائلة أن الانتماء إلى ثقافة يعني بالضرورة أن تكون مولودًا فيها أو أن تنمو داخلها أو أن يكون أحد الوالدين منها أو يكون لديك ارتباط جيني أو عرقي آخر بها ، هي ليست فكرة مفيدة جدًا في سبر أغوار الهوية الفردية الحقيقية للإنسان وإمكاناته. كما أنها ليست أساسًا موثوقًا به لتقييم طبيعة أو مشروعية أو مصداقية أو أهمية مخرجات عملك أو المساهمة العامة في المجتمع. إن طول وشدة ومدى الانغماس سترتبط إيجابياً بدرجة التثاقف ، والتي ستعتمد بدورها على العديد من المتغيرات الأخرى ، والقدرات الفردية ، والاستعداد ، وفقًا إلى ما إذا كان الشخص قد أتي بالفعل من خلفيات مختلطة ، سواء كانت ثقافيًة أو لغويًة أو عرقيًة. في كثير من الحالات ، تلعب الإثنية دوراً أقل أهمية مما قد نعتقد ، خاصة في عالم اليوم ومع تعاقب أجيال عديدة عبر الهجرة العالمية وأعداد كبيرة من السكان الذين يعيشون خارج السياقات الجغرافية التاريخية الأصلية منذ عقود أو قرون ، حيث فقد الكثير منهم التواصل بتلك السياقات من جميع النواحي باستثناء الناحية النظرية.

التثاقف ليس طريقًا باتجاه واحد

قد يكون هذا أكثر شيوعًا عند الاندماج في ما يسمى بالثقافات “الغربية” ، لكنه ليس بأي حال من الأحوال حصريًا في ذلك الاتجاه ، على الرغم من أن معظم المؤلفات الحديثة حول هذا الموضوع تركز على دمج المهاجرين في السياق الأوروبي. مع ذلك ، وفي هذه الحقبة من ما بعد الاستعمار ، أصبحت أنماط معينة من التفكير والتصورات والطباع المعتادة متأصلة إلى حد كبير ، بسبب التصميم أو بشكل فرضيات أولية تشمل السكان المستَعمرين سابقًا ومُستعمريهم. يبدو أن الإدراك الباطن للشعوب الغربية يوحي للمرء بأنه من الأصوب والأصح والمنطقي أن يرغب الناس في الهجرة إلى شمال أوروبا وأمريكا الشمالية ، وتعلم اللغة ، والإندماج الثقافي إلى حد ما ، وتبني معايير اجتماعية ثقافية معينة ، وحمل هوية غربية والمشاركة في بعض التقاليد والعادات في البلاد التي غالباً ما يُنظر إلى ثقافتها على أنها “الأكثر تقدماً” و ثراءً وقوةً. ليس هذا هو الحال بالضرورة ، لكن الأمر قد يقودنا إلى جدل معقد أخر وإقليم شائك خارج عن نطاق هذه المقالة.

غير أنه عندما يقرر الأشخاص من الثقافات “الغربية” الذهاب إلى الشرق ، على سبيل المثال ، ويتثاقفون بأنفسهم في نموذج “غير غربي” ، فإنه ينظر إليهم من قبل الغربيين بطريقة ما تعتبرهم تهديداً للوضع الراهن وسرعان ما يتم تصنيفهم في خانة الإستيلاء الثقافي ، بغض النظر عن نواياهم أو ظروفهم الفردية. يمكن رؤية هذا الموقف في جميع طبقات المجتمع وفئاته ، من التقليدية ومرورا بالثقافة الشعبية إلى الثقافة الرفيعة والنخبة الفكرية. في الموسيقى الكلاسيكية الغربية ، على سبيل المثال ، يوجد العديد من الموسيقيين المبدعين ذو أصول ثقافية شرقية والذين ربما أنهم واجهوا التمييز في مرحلة ما ، هم الآن أعضاء مقبولون في المجتمع الثقافي ويحظىون بالتقدير والاحترام. إنهم غير متهمين بالاستيلاء على الثقافة ، أو بكونهم مغتربين يكسبون رزقهم في غير أوطانهم. بينما إذا ذهب الموسيقيون الغربيون ودرسوا الموسيقى الشرقية أو الشرق أوسطية أو الإفريقية أو غيرها من الموسيقى “غير الغربية” ، بما في ذلك الأشكال الموسيقية الكلاسيكية الغربية على أيادي ملحنين غير غربيين ، فإنهم سرعان ما يراكمون قسرياً ملصقات تنعتهم بـ “الموسيقى العرقية” أو “الموسيقى العالمية” أو “الإستيلاء الثقافي”.

على سبيل المثال ، أمضت فرقة القوالي الأمريكية “فناء في الله” سنوات في دراسة هذا الشكل المعين من الموسيقى الروحية الصوفية الخاصة بباكستان من خلال السفر عبر البلد وتعلم لغته وزيارة الأضرحة المقدسة وتطوير علاقة قوية جدًا مع الثقافة ككل ، عاداتها وتقاليدها وممارساتها الإسلامية. ومع ذلك ، أثناء تجوالهم في المملكة المتحدة ، كان مصطلح “الإستيلاء الثقافي” يلاحقهم بشكل مارق وغير لائق ، بغض البصر عن المنظار الذي قد يكون الناس رؤوهم من خلاله ، أو عما إذا كان الأشخاص الذين التقوا بهم في باكستان قد تقبلوهم أم لا. المفارقة أنه نادرا ما يستخدم هذا المصطلح في بعض حالات أخرى حيث يكون استخدامه عندها أكثر ملاءمة وموضوعية ، مثل تسمية “الحمص الإسرائيلي” وإعادة تسمية التطريز الفلسطيني وغيرها من الأعمال اليدوية الثقافية التقليدية على أنها منتجات إسرائيلية. قد تشمل الأمثلة المقارنة الأخرى “الشاي الإنجليزي” و “القهوة الإيطالية”.

التقدير الكمي والنوعي للتثاقف

يتطلب التثاقف استثمارًا كبيرًا في الوقت والدراسة والموارد الأخرى ، وهو يجلي مستوى من الالتزام يتجاوز بكثير أي إستيلاء ثقافي سطحي كالإستيلاء على أعمال فنية يدوية ، فالتثاقف يتحول لهوية حقيقيًة من خلال التفاني على مدى الحياة في الثقافة ، و بالإعادة إليها أكثر من ما أخذ منها في أي وقت مضى ، ويبني جسرًا من التمثيل الإيجابي يربطها بالثقافات الأخرى. من الأمثلة على التثاقف من خلال القبول والتفاني في الثقافة الكاملة غير الغربية هو ظاهرة التحول إلى الإسلام في جميع أنحاء العالم ، باعتبارها أسرع الديانات نمواً في التاريخ. ومن دون التقليل من آثار تحريف وسائل الإعلام الجماهيرية السلبية للإسلام واستغلاله من قبل الجماعات السياسية المتطرفة ، إلا أن الكثير من الناس في سياق ثقافي غربي غير إسلامي يجدون صعوبة في تقبل بعض أفكاره أو يعتبرونها غير قابلة للتصور أو حتى أنها بغيضة ، مثل شرعية تعدد الزوجات وانتشارها بشكل متزايد كموضة مقبولة اجتماعيا.

قد يكون هناك دائمًا جوانب في الثقافة أكثر أو أقل قبولا لدى الأشخاص الغرباء عنها. قد يكون هناك تعريف ممكن آخر للتثاقف وهو التفهم ، داخل السياق ، والقبول – وإن لم يكن بالضرورة الإنصياع – والمشاركة الفعالة مع الثقافة ككل وتمثيلها بشكل إيجابي. يجب أن يشمل ذلك الأجزاء التي قد تكون متوترة أو إشكالية من منظور الثقافة الأصلية للمتحول التثاقفي – الأفكار والمعايير الإجتماعية والمثل العليا التي لا تزال قائمة ، لأنها تشكل جزءًا من جذور أو قاعدة هوية الشخص وتراثه ورؤيته للعالم . هذا يسلط الضوء على أهمية التشكيك المستمر في أساس معتقداتنا ، والحفر في الأرض أسفلنا ، سبر أغوارها واستخراج كنوزها ، وكذلك إزالة الأعشاب الضارة وهراء وجهات النظر المتطبعة لدينا ، وأحيانًا سحبها من تحتنا كي لا تبقى مزعزعة للاستقرار ومقلقة للراحة.

في الميزان

إن التشكيك في وجهة نظرنا من حيث مدى قناعتنا بأننا على صواب ، والتساؤل عن الأسس التي نبني عليها آرائنا وعما إذا كنا نحملها بمرونة كافية تسمح بتغييرها في ضوء ورود أدلة كافية مناقضة لها، جميع ذلك أمر أساسي لتطورنا الفكري. ماذا لو أننا بعد إجراء تدقيق ذاتي صارم استنتجنا صواب آرائنا ، فهل يبرر ذلك إخبار شخص آخر بأنه مخطئ؟ تجربتنا في الواقع فريدة ولا يمكن تعميمها على تجارب الآخرين. كذلك ، بالتساوي مع التساؤل السابق وامتداداً له ، لا يمكن فرض نظام القيم والنظرة العالمية لثقافة بأكملها على ثقافة أخرى. إذا بدى هناك تضارب وتعارض في التوقعات والقيم والمعتقدات والأفكار والممارسات بين الثقافة الأصل للفرد والثقافة المتبناة ، فيستحق عندها التدقيق في مدى التناقض الفعلي بين بعضها البعض وإلى أي مدى يمكن أن تتعايش؟ هل يصبح من الضروري إختيار واحدة أو الأخرى في مرحلة مفصلية معينة أم أنه من الممكن أن تحتفظ بكليهما؟

لا يمكن تجاهل تراثنا ، حتى لو كان من الممكن إنكاره أو دحضه ، أو ببساطة تجاهله وإهماله. إلا أنه بالإمكان البناء عليه بالرغم من ذلك. أليس من الأصح الاعتراف بكلا الثقافتين على قدم المساواة؟ كما كانت الهندسة المعمارية تدمج الأزمان المختلفة التي تمر بتاريخ مدينة قديمة فتخلق مزيجًا متوازنًا من الأشكال الجمالية المتنوعة في أكثر من بوتقة انصهار ثقافي ، فكذلك يمكن للهويات الثقافية المختلفة إثراء الحياة ، إذا استطعنا تجاوز التفكير الثنائي التضادي واخترنا قبول الثقافتين ، أو عدة ثقافات ، مع منحهم ذات الدرجة من الأهمية. إنه ليس درباً يسهل المشي فيه ، لكنه يحقق الذات ويؤكد حب الحياة ويستحق مسافة الطريق.

جوليا عائشة وجمانا مون في Bayt Exhibition: The Art of Arab Hospitality لسهاد جرّار-براون. صورة: أسما خان P21 Gallery, 2019

ترجمة: زياد خليفة
المصادر:

Sources:

Berry, J. W. (1997).Immigration, Acculturation, and Adaptation. Applied Psychology: An International Review, 46 (1). 5-68.
Berry, J. W. (1995). The Culture and Psychology Reader, New York University Press, chapter 20, Psychology of Acculturation.
Croucher, S. M. & Kramer, E. (2017).Cultural fusion theory: An alternative to acculturation, Journal of International and Intercultural Communication, Vol. 10, NO. 2, 97–114.
Gant, M. (2018). Zara’s new mini skirt accused of cultural appropriation. New York Post [online]. Available at: https://nypost.com/2018/02/04/zaras-new-mini-skirt-blasted-for-cultural-appropriation/
Khalaf, R. (2017). A Palestinian keffiyeh jumpsuit? People are calling it ‘cultural appropriation’This is a Palestinian keffiyeh, NOT a ‘scarf playsuit.’Stepfeed [online]. Available at:https://stepfeed.com/a-palestinian-keffiyeh-jumpsuit-people-are-calling-it-cultural-appropriation-2700
Rogers, R. A. (2006). From Cultural Exchange to Transculturation: A Review and Reconceptualization of Cultural Appropriation, Communication Theory ISSN 1050-3293International Communication Association.
Schwartz, S. J., Unger, J. B., Zamboanga, B. L., & Szapocznik, J. (2010). Rethinking the Concept of Acculturation Implications for Theory and Research.Am Psych. May-Jun; 65(4): 237–251.
Soh, S. (2018)Does fashion have a cultural appropriation problem? BBC Newsbeat [online]. Available at: https://www.bbc.co.uk/news/newsbeat-46297329[Accessed 02 Mar. 2019].
Ward, C., Geeraert N.(2016). Advancing acculturation theory and research: The acculturation process in its ecological context. Current Opinion in Psychology Volume 8, Pages 98-104.
Young, J. O. (2005). Profound Offense and Cultural Appropriation, The Journal of Aesthetics and Art Criticism 63:2.
Young, J. O.& Haley, S. (2009). Nothing Comes from Nowhere: Reflections on Cultural Appropriation as the Representation of Other Cultures. The ethics of cultural appropriation, Wiley.
Young, J. O. (2010). Cultural Appropriation and the Arts. Wiley-Blackwell.