سياسية و اقتصادية, مراجعات لكتب و قضايا اجتماعية

راي: اللاجئين الفلسطينيين والاقفاص الجديدة

بقلم موسى جرادات

بعد النكبة و نزوح اللاجئيين الفلسطينيين و توزعهم في دول الشتات، وبالتحديد الدول المحيطة بفلسطين، تبلور شكل من اشكال التعريف القانوني لهم، وفي بعض الدول تم ربطهم بالدولة التي حلوا بها، اتخذت تلك الدول قرارا موحدا اتجاه هؤلاء اللاجئين، وهو منعهم من التواصل فيما بينهم، لهدف واضح وهو عدم تدارس وضعهم كشعب يحمل نفس المصير، وتحويلهم مباشرة الى حالة مبهمة يمكن توظيفها في خدمة تلك الدول، وبالفعل بقيت سياسات تلك الدول تتمحور حول هذا الملف ضمن خانتين، الأولى خارجيا، وهو التوظيف السياسي والمادي لهذا الملف، وهذا ما ظهر جليا في سياسات تلك الدول طوال عقود خلت، فبقي اللاجئ الفلسطيني يستخدم كأداة تحويف للغرب تحديدا، ومادة خصبة للاسترزاق من قبل تلك الدول والحصول على الدعم المادي والسياسي وتثبيت شرعيات نظم سياسية مستبدة.


اما الشق الثاني والمرتبط بالعلاقة المباشرة ما بين دول اللجوء واللاجئ، فقد اتسمت منذ لحظة النكبة والى الان ملامح وسمات واضحة محددة، لا تشذ عنها أي قاعدة، فالفلسطيني بالدرجة الأولى حالة امنية تستدعي التعامل معه خارج اطار القانون سواء كان فردا او جماعة، ولا يخلوا الامر من ان يقوم موظف خارج عن الإنسانية والضمير بابتداع وسن مراسيم وقرارات ادراية في فن التعامل مع هذا اللاجئ خارج حدود القانون. هذا لجهة علاقة دولة اللجوء مباشرة مع اللاجئ.

اما عن تدخل الدولة في رسم صورة نمطية للمخيم وللفلسطيني عموما في ذهن شعوب تلك الدول فحدث ولا حرج، فالصورة النمطية الغير واقعية هدفها منع مواطني دول اللجوء من التواصل مع الفلسطينيين اللاجئين والتعامل معهم بشكل مباشر لمعرفة الحقيقة والبناء عليها.
وطوال عقود كانت ثنائية تلك الدول في رسم سياساتها العامة ناجحة الى حد ما، عبر إدارة هذا الملف من بوابة الحالة الطارئة، والمستدامة في نفس الوقت، بعد ان بدا اللجوء يورث الى الابن والحفيد، هذا النجاح املته عوامل وظروف مكنت تلك الدول من تحقيق أهدافها الخارجية والداخلية في إدارة هذا الملف.


لكن مع ظهور استحقاقات جديدة طالت هذا الملف، منذ توقيع اتفاق اسلو بين المنظمة ودولة الاحتلال، حيث وضع ملف اللاجئين الفلسطينيين على الطاولة، فقد اصبح من الصعب على تلك الدول التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين بنفس الطريقة المعهودة، فممثل الفلسطينيين هذه المرة تعامل مع هذا الملف باعتباره جزءا من المرحلة النهائية للحل، مما الزم دول الى الانكفاء الى الوراء ورسم استراتيجية جديدة تقوم بالأصل على تقاسم الكعكة ان صح التعبير، فالحديث عن امتيازات مالية مجزية لتلك الدول نظير اغلاق هذا الملف نهائيا ولو على حساب اللاجئين انفسهم، وذلك عبر طرح وتعويم قضايا التوطين والتعويض كحل نهائي لهذا الملف.


ومع فشل المفاوضات وتوقفها لسنوات طويلة عادت تلك الدول لطرح هذا الملف من زوايا عديدة، ابرزها ممارسة الضغط الكثيف على اللاجئين في سبيل الهجرة الى الدول الغربية، وهذا ماتحقق بالفعل في العقد الأخير، فالناظر الى خريطة التبدل والتوزع الديمغرافي الجديد للفلسطينيين يدرك بوضوح نجاح تلك السياسات المدبرة غربية والمنفذة بأدوات واجندات تلك الدول بالتعاون والنخبة الفلسطينية الفاعلة والمنحرفة في نفس الوقت.


وقد يرى البعض ان رحلة التيه الفلسطيني قد بدأت من جديد تتخذ مسارات واشكال جديدة خارجة عن المألوف، بعد ان تم انتزاع المضمون السياسي عن هذا الملف ، ونسبته زورا وبهتانا الى النطاق الاوسع وهو الإنساني، حيث من السهل على الدول الغربية التعامل مع هذا الملف عبر توزيع خريطة اللاجئين، عبر استيعاب جزء منهم وهو النخبة بكل المجالات، وترك جزء منهم لتوطينهم في دول اللجوء الأولى.

وما حديث الإدارة الامريكية وإعلان سياساتها الواضحة اتجاه هذ الملف، عبر فك المؤسسة التي تدير شؤون اللاجئين الفلسطينيين ووقف الدعم عنها الا نتيجة نهائية لسياسات تراكمية أدت بالنهائية الى هذا الوضع المأساوي.
وأصبح الحديث ما العمل؟ في هكذا وضع مجرد ترف نظري، لا يصلح لردم الوضع الحالي المليء بالخطايا والاخطاء الاستراتيجية القاتلة في التعامل مع القضية الفلسطينية عبر تقزيمها وتحويلها الى قضايا وملفات ومن ثم قذفها خارج الزمن لتتحول الى تواريخ لا رابط بينهما وهنا اقصد قيادتنا السياسية بمختلف مراتبها وانتماءاتها التي تحولت لعبادة الفصيل، بدلا عن البحث عن حلول عملية لهذا المأزق الوجودي الذي نعيشه وتعيشه قضيتنا. مع تحياتي لكم، موسى جرادات