اخبار محلية, الاخبار, الصحة و الغذاء و البيئة, مراجعات لكتب و قضايا اجتماعية

تحليل للوضع النفسي و الاجتماعي في قطاعات كبيرة من المجتمع الفلسطيني بعد انتشار فيروس كورونا

بقلم الدكتور محمد مرعي، فلسطين

أحد أهم عوامل الصلابة والمرونة النفسية للمجتمع الفلسطيني هو الدين الاسلامي والايمان بالله والعلاقات الاجتماعية الداعمة من الاصدقاء والعشيرة والمحمولة والأسرة حيث انها ساعدت على مدار عشرات ومئات السنين عل تخطي الصعاب والمحن. لأن الدين يشكل غذاء الروح ويرفع الحالة المعنوية للشعب في الظروف الحالكة خاصة أننا نعيش في Holly land الأرض المقدسة أو المباركة. لكننا أمام حاله فريدة حيث أن الناس فقدت عامل العلاقات الاجتماعية كعامل مساند خاصة أننا نصنف collective society مجتمع يعتمد على دعم العشيرة والحموله لتخطي الظروف الصعبة لدعم الافراد.

أيضا فقدان عامل آخر مهم وهو غذاء الروح المتمثل في صلاة الجماعة و الذي نتجنبها حاليا للوقاية من انتشار عدوى فيروس كورونا وما يصاحبها من دعاء وتضرع لله لكي يستمد الفرد القوة من الله وقت نزول البلاء والمحنة وايضا الدعم المجتمعي الذي يتلقاه الفرد بعد اداء الصلاة من جيرانه ومجتمع الحي المحيط بالسؤال عن أحواله وتفريغ همومه لمن حوله بهدف الحصول على الدعم النفسي والمساندة والإلهام من قبل الآخرين. كذلك يتبادل المصلين أطراف الحديث بعد الصلاة وحينها يطلع المواطن على سبل التكيف والتاقلم مع منع التجوال …الخ

وهذا يعطيه الإسناد لأن الجميع يعاني collective suffering من نفس الظروف. نحن الآن أمام حالة فريدة من انهيار النظام المادي أمام شيء مبهم بالنسبة للعوام وهو فيروس لا يرى بالعين المجردة وشيء طبيعي أن تلجأ عامة الناس الئ الايمان بالله كملجا shelter لكي يشعروا بالأمان في ظل فشل الدول العظمى المادية في مكافحة هذا الوباء أو التعامل مع الازمة.

لذلك اقترح ما يلي كمختص بالصحة النفسية والمجتمعية لتخطي الكارثة في المرحلة القادمة:
1-تقوية المناعة الروحية من خلال تعويض الناس عن فقدان صلاة الجماعة التي هي غذاء للروح والاحساس بروح الجماعة في مواجهة الخطر من خلال بث للقران الكريم في سماعات المساجد لو نصف ساعة أو ساعة يوميا وكذلك الدعاء والتضرع لله. هذا له أثر عميق في رفع الحالة المعنوية للشعب كما حصل قبل مدة قصيرة مسبقا حين أعلنت امريكا عن سرقة (صفقة) القرن لسورة الأحزاب فاستحضر الناس ذهنيا قصة الأحزاب حين تكالبت الاعراب ضد الفئة المؤمنة الصابرة وكان النصر حليف المحاصرين رغم تكالب الأمم عليهم. كذلك هذا الإجراء يبرء السلطة من تهمه أنها ضد القران والدين لأنها حرمت الناس من صلاة الجماعة وأغلقت بيوت الله في وجه من لجأوا إليه في الشدائد. وهذا يفسر عدم انصياع البعض وصدمتهم من إغلاق المساجد فهنا نتعامل مع مشاعر روحية ودينية وعاطفيه بعيدا عن الحسابات العلمية المجردة. وهم أيضا يشاهدون الحشود داخل البنوك وعلئ الحواجز وفي الأسواق.

2- تعزيز المناعة النفسية من خلال تكثيف البرامج الدينية التي تحث الناس على الصبر وقت الشدائد والابتلاءات فالإنسان يتكون من نفس وعاطفة وروح ويجب تلبية احتياجات المواطنين القابعين تحت حصار الفيروس وتعزيز صمودهم من خلال تصدر علماء النفس والشريعة الإسلامية السمحاء للمشهد فنحن شعب تلعب العاطفة فيه دور كبير فليس كل قرارات العامة تعتمد على فهم ما يحدث من خلال البرامج العلمية والعقلانية!!!! ومعظم الناس لا تفرق بين الفيروس والبكتيريا لأننا شعب لا يقرأ وكثير من قرارات حياتنا هي عاطفية ارتجالية ترتكز على ردة الفعل.

3- أيضا تفعيل لجان لتحفيظ القران والتجويد والدروس الدينية من خلال الإنترنت أو الهاتف او الإذاعات حتى يتم تغذية المجتمع روحيا واستعادة التوازن النفسي لمن يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كأساس له في رفع الطاقة وعدم الشعور بالانهيار أو الاستسلام والهزيمه النفسية والاجتماعية. مثلا هنالك شريحة واسعة من النساء من تواظب على الدروس الأسبوعية في المساجد والبيوت وهي فقدت هذا المصدر المساند للصلابة والمرونة النفسية.

5- تقوية المناعة الاجتماعية من خلال تشكيل لجان في كل حي لمحاربة الجوع ومساندة المواطن في صراع البقاء والحياة. وهنا نذكر أن عامة الناس خرقت منع التجوال في نابلس ووقفت الدبابات عاجزة أمام الحشود التي كسرت منع التجوال في لحظات تساوي الحياة والموت عند المواطنين.

4- تعزيز المناعة الوطنية من خلال بث الاغاني الثورية والوطنية فقط في التلفزيون الرسمي والإذاعات المحلية والاعلان عن مبادرات لرفع الروح المعنوية للممرضين والممرضات والقابلات وباقي جنود الصحة والإعلاميين والعساكر وغيرهم من الفدائيين الذين تركوا أسرهم وعائلاتهم وصلاة الجماعة وهي كما تحدثنا سابقا اهم مصادر الدعم النفسي والاجتماعي والروحي للمواطن الفلسطيني. وكذلك دعم المواطنين الذين هم في الحجر الصحي سواء كانوا في الفنادق أو في بيوتهم لما له من أثر على تقوية جهاز المناعه وتسريع الشفاء أو التقليل من احتمالية الاصابة.

6- سن قوانين رادعة وتطبيقها بعدالة على الفور دون واسطة أو فساد أو محسوبية لمن يروج للاشاعات أو لا يلتزم بالتعليمات والارشادات الضرورية خاصة هنالك فئة تسمئ Antisocial personaslties وهي شريحة المجرمين وهي موجودة في كل مجتمع تعمل على استغلال الظروف لإرباك الحالة العامة كما شاهدنا سطو مسلح على صراف في الخليل ونتوقع من هؤلاء القيام بأعمال إجرامية وبث الفوضى خلال فترة الطواريء أو القيام بأعمال السلب والنهب كما حصل فترة الاجتياح.

8- تعزيز الوحدة الوطنية من خلال اجتماع للفصائل والاتفاق على ميثاق شرف على ترك المناكفات السياسية والاصطياد في المياه العكرة في هذه الظروف الحالكة. فنحن في نفس المركب وان غرق لا قدر الله سنغرق جميعا وهذا الوباء لا يفرق بين فصيل واخر والان علينا دعم القيادة السياسية حتى لو كانت لديها أخطاء فهي تجتهد وعلينا دعمها بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر. إن قيادة المرحلة الان من قبل السلطة القائمة افضل من الفوضى الماحقة وقيادة الجمع الغير واعي لنفسه فيجب تأجيل المناكفات لما بعد زوال الغمة وبعدها يتم محاسبة السياسيين على أدائهم بعد انجلاء غبار المعركة.

7- عقد اجتماعات دورية مع فئة العاملين في قطاع الصحة والاستماع مباشرة لاحتياجاتهم من قبل راس الهرم او الوزيرة وإشراكهم في صناعة القرار وعدم فرض القرارات عليهم طوال الوقت لأن هذا يشكل ردة فعل عكسية فمثلا احدئ الممرضات أفادت أنه تم اعطائم فقط كمامة واحدة لكي تستعملها طيلة فترة الطواريء مع العلم انها disposableاي يجب إتلافها بعد مدة قصيرة وتم ابلاغم (دبروا حالكم) فيهم. وهم يشاهدون بعض المسؤولين يرتدون كمامات اغلى الأنواع مع العلم انهم ليسوا في احتكاك مباشر مع الخطر وكانوا في مجرد زيارة عابرة للمركز الصحي. وكلنا نعلم أن الطواقم الصحية هم رأس الحربة في محاربة الفيروس بشكل مباشر واذا لم يتعاون أو يلتزم الطاقم فلن تجدي كل التعليمات ولن تطبق على أرض الواقع. إشراك العاملين الصحيين والاستماع لهمومهم مهم جدا أيضا من ناحية نفسية ويساهم في دعم الروح المعنوية لهم خاصة الطبقة المسحوقة من قطاع التمريض وهم الأغلبية العظمى.

9- انتظار اللقاح ليس بالحل الجذري لأن الفيروسات لا حصر لها ومن غير المنطق اعطاء لقاح لكل فيروس فلو عالجنا كورونا ممكن أن يظهر بعده مباشرة فيروس اخر فيجب زيادة البرامج التي تركز على تقوية المناعة الجسدية والنفسية والاجتماعية والروحية من خلال نمط الحياة الصحي وتناول الأغذية التي لا تحتوي على السكر والمواد الحافظة والملونة وايضا ايقاف وباء التدخين والارجيلة وشرب الكحول والمخدرات واستعمال مساحيق التجميل. الإكثار من تناول الخضار والفواكه خاصة العضوية منها الخالية من الكيماويات. ويجب ممارسة الرياضة وخفض القلق والتوتر والضغط النفسي بشكل يومي من خلال تلقي الرعاية النفسية بشكل دوري ومحاربة الوصمة أو العيب في زيارة الدكتور النفسي فكلنا بحاجة للرعاية النفسية والاجتماعية في هذه الظروف….

8- مناشدة الزملاء المختصين في علم النفس عدم تطبيق ما يتم ترجمته في اللغة الإنجليزية والنظريات على المجتمع الفلسطيني بصورة حرفية. فيجب مراعاة الاختلافات الثقافية ونحن لسنا نسخة عن الأمريكي أو البريطاني في طريقة التفكير ونمط الحياة. يعني الإيطاليين يعتمدون على الرقص والغناء كعامل مساند رئيسي وليس بالضرورة أن نتعامل مع مجتمعنا أنه شعب ملحد ونسخة عن تجارب الشعوب الأخرى. فالثقافة العربية والإسلامية تلعب دور هام في التكيف والتاقلم والايمان بالله والعبادات والتعاضد المجتمعي والخبرات السابقة في التعامل مع الخطر كل هذه العوامل هي عوامل مساندة للمواطن الفلسطيني….

10- زيادة الرقابة الصحية على المطاعم ومنع الأغذية الفاسدة وخاصة المعلبات واللحوم المصنعة كالمرتديلا والنقانق وغيرها لأنها مسببة للسرطان حسب تقارير منظمة الصحة العالمية وزيادة الوعي لذلك. فرض ضرائب على كل ما هو غير صحي والأغذية التي تحتوي على السكر المضاف الموجود في الكولا والشوكولاته وغيرها لأن هذا يضعف المناعة ويسبب الأمراض ويكلف ميزانية الدولة خاصة إذا انتشر وباء آخر لا قدر الله ….

اعتذر عن الإطالة ولكن وجدت أنه واجب علي كمختص بالصحة النفسية والمجتمعية أن أقدم خبرتي المتواضعة وجهدي في خدمة الوطن والمواطن والقيادة في ظل هذه الظروف القاهرة ونسأل الله عز وجل أن يحفظ البشرية من كل سوء وأن يرفع عنا البلاء والوباء فهو ولي ذلك والقادر عليه ..

د. محمد مرعي – استاذ مساعد في الصحة النفسية والاجتماعية
والله ثم الوطن من وراء القصد