سياسية و اقتصادية, مراجعات لكتب و قضايا اجتماعية, مقالات

ماذا عن فلسطيني سوريا؟

بقلم الصحفي ماهر حسن شاويش

في العقد الأول لأزمة فلسطينيي سورية وبعد تسع سنوات ثقال على كاهلهم، بات من الضروري والمُلِح أن تجرى مراجعة شاملة لكل هذه المرحلة وما اكتنفها من سلبيات وإيجابيات، وليس ذلك من قبيل الرياضة الذهنية، وإنما بغية تقييم وتقويم ما عصف بهذه الشريحة الحيوية والكتلة البشرية من شعبنا الفلسطيني التي تتمتع بخصائص ومزايا أثّرَت وتأثرت عبرها بالحركة الوطنية الفلسطينية، وشكّلت ولازالت تُشكّل ركناً أساسياً من أركان المشروع الوطني الفلسطيني، ولعله من نافلة القول الاستطراد والتفصيل في الحديث عن دورها على مدار كل سنوات نضال شعبنا الفلسطيني منذ النكبة حتى الآن.

تقتضي المرحلة المراجعة الشاملة لأن هناك حاجة لاستدراك عاجل لما أصاب بُنية هذا الجزء من شعبنا من تحولات هائلة في نسيجه المجتمعي فقد خَبِر الفلسطيني السوري كل أشكال المعاناة وذاق جميع أصناف الموت وتكبّد مختلف أنواع الخسائر المادية والمعنوية، نحتاج اليوم أن نخرج من شرنقة الحالة الإنسانية والإغاثية على أهميتها في ظل استمرار النزيف الحاد لمجتمع فلسطينيي سورية حيثما حَل، ولكننا نريد روافع وحوامل لهذا المجتمع تنسجم مع واقعه وتجترح له حلولاً تُعالج ما تراكم من أمراض ونتائج وتبعات على مختلف الأصعدة، وهذا يتطلب حقيقة برنامج وخطة عمل تضطلع به جهة تمثيلية تنفيذية تُحسن إدارته.

نعم لدينا خلل في المرجعية لا بل أزمة مرجعية وطنية كانت سبباً رئيسياً لما آل له حالنا منذ بداية الثورة السورية وحتى اللحظة الحالية التي نعيشها، يقيناً لن تقوم بهذه المراجعة فصائل العمل الوطني الفلسطيني لأنها منقسمة أولاً في ما بينها حول الرؤية لهذا الملف؟! وثانياً لأنها تتوزع بين متورط ومقصّر بحق أبنائه، وبالتالي لن تتجرأ على ذلك، وإن فعلت فسيكون ذلك محكوماً بحساباتها الداخلية ومصالحها الذاتية، والمراجعة التي نقصد هي التي تتجرد من كل هذه الحسابات الفئوية الضيقة، وتُلامس وتُحاكي الوجع الفلسطيني السوري والمصلحة العامة له. يبدو الطرح صعباً ومعقداً في ظل تعقّد المشهد السوري وتشابك أدوار ومصالح الفاعلين فيه، إن على مستوى النظام أو المعارضة، لكنه بالتأكيد ليس مستحيلاً فهو واجب الوقت وضروراته، وتقتضيه المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق كل فرد فلسطيني سوري، وتزداد وتتضاعف هذه المسؤولية على النخبة.

الفلسطيني السوري اليوم قادر على الإجابة سلوكاً وممارسة إن توفرت الإرادة الصادقة والإدارة المخلصة بناء على مبدأ تغليب العام على الخاص، واعتماداً على حالة النضج التي عجنتها تجربة المحنة

هذه النخبة من أبناء فلسطينيي سورية منوط بها فتح حوار جدّي ومعمّق يشمل كل التيارات والمنابت الفكرية، ويعكف على ورشات عمل ونقاشات تسبر أغوار الواقع الفلسطيني من كل جوانبه، بلا محرمات أو خطوط حمر مسبقة، حتى تصل إلى آليات عمل تُترجم على الأرض بما يخدم مجتمع فلسطينيي سورية بشكل خاص وبما يُعيد له دوره المنشود في الحركة الوطنية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني. لا شك دون ذلك عقبات وصعوبات ذاتية وموضوعية، لكن حركة التاريخ لا تتوقف ولن تتوقف وستسجل دور وبصمة كل إنسان في ما يتعلق بقضاياه، وقضية فلسطينيي سورية هي قضية مصيرية بوصفها جزء من القضية الأم فلسطين.

اعلان: رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومن واجبنا قرع الجرس للمبادرة في هذه الخطوة، وبيننا عدد من الأطر والمؤسسات التي كان لها بصمتها في ملف فلسطينيي سورية إعلامياً وإغاثياً وقانونياً فلتُبادر لدعوة تشمل الجميع بلا استثناء وليُقدّم كلٌ ما لديه بهذا الصدد، ولعلّ الرهان اليوم في تحريك عجلة هذا الملف على فلسطينيي سورية الذين يعيشون خارج سورية وتحديداً في أوروبا بما يمتلكون من قدرة أكبر على التحرك ومن هامش حرّية وكذا استقلالية في القرار مادياً ومعنوياً بالاستفادة من البيئات التي يتواجدون فيها، ثمّة فرص يمكن استثمارها عبر عناوين إعلامية وقانونية وحتى سياسية، وهناك علاقات ينبغي ترجمتها إلى حراك فاعل على الأرض تصب كلها في الإجابة على سؤال: كيف نفعل ذلك ؟

بتقديرنا أن الفلسطيني السوري اليوم قادر على الإجابة سلوكاً وممارسة إن توفرت الإرادة الصادقة والإدارة المخلصة بناء على مبدأ تغليب العام على الخاص، واعتماداً على حالة النضج التي عجنتها تجربة المحنة، والأهم تقديراً لدماء آلاف الشهداء ودفاعاً عن حقوق وتضحيات وعذابات آلاف المعتقلين وذويهم، وبلسمة لآلام وآهات الجرحى والمصابين، ودعماً وإسناداً للشريحة الأكبر التي لاتزال ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة والظلم والقهر والاستبداد في الداخل السوري.


بقلم الصحفي ماهر حسن شاويش*
حاصل على دبلوم في الإعلام من الأكاديمية السورية الدولية للتدريب. مدير تحرير مجلة العودة سابقا عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. رئيس قسم الإعلام في التجمع الدولي للمؤسسات والروابط المهنية الفلسطينية.