سياسية و اقتصادية, مقالات

ما هي أبعاد صفقة القرن الأمريكية و كيف نواجهها

بقلم: محمود موسى مصطفى

المصدر: المركز السوري لبحوث الرأي العام.

أطلع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تفاصيل خطة السلام في الشرق الأوسط في منتصف شهر شباط من العام الحالي، والتي أطلق عليها أسم “صفقة القرن”، وأعدها مستشاره المقرب وصهره جاريد كوشنر وفريقه، بالتزامن مع مشاورات ومباركة رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامن نتنياهو، ومن المؤكد حسب مصادر إعلامية أمريكية الإعلان عن فحوى صفقة القرن بعد شهر رمضان المبارك من العام الحالي، بعد أن طال انتظارها أكثر من عامين.

“صفقة القرن” ليست هي المشروع الاستعماري الجديد الذي تخضع له الأمة العربية، بل سبقه عدة مشاريع واتفاقات كثيرة في هذا المضمار ومنها السري والعلني وأهمها:

ـ مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897م بزعامة ثيودور هرتزل حيث انطلق المشروع الأول للحركة الصهيونية العالمية لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم جاءت اتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916م بين فرنسا وبريطانيا العظمى وبمصادقة الإمبراطورية الروسية على تقسيم المنطقة العربية، وتجهيز أرضية خصبة لإقامة وتنفيذ بنود مؤتمر بازل ووعد هرتزل، وعلى أثره أصدر وزير خارجية بريطانيا العظمى آنذاك اللورد آرثر بلفور وعده المشؤوم في عام 1917م بإقامة كيان سياسي للحركة الصهيونية في فلسطين على حساب سكانها الأصليين.

وبعد انتظار طويل تحقق حلم هرتزل في عام 1948م، وتم الإعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة، لتعمل بالوكالة عن دول الاستعمار الغربي والولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية.

وجاءت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في 17 أيلول عام 1978م، إبان حكم الرئيس الرحل محمد أنور السادات التي أخرجت مصر من الصف العربي، بعد الاعتراف بدولة إسرائيل، ضربة للتضامن العربي وطعنة في صميم القضية الفلسطينية، وفتحت ثغرة كبيرة لتعاون الدول الرجعية مع إسرائيل بالعلن.

ما الجديد في وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟

كل الاتفاقيات والوعود التي سبقت وعود الرئيس ترامب كانت لترسيخ حالة واحدة هي إقامة الكيان الصهيوني، والحفاظ على أمنه ووجوده كخنجر مسموم في جسد الأمة العربية، وكانت هناك اتفاقيات سرية أيضاً أبرمت بين بعض الزعماء العرب وأصحاب القرار في الكيان الصهيوني ربما لم نسمع عنها حتى يومنا هذا، ولكن المستقبل كفيل أن يكشف عن هذه الاتفاقيات ويفضح أصحابها، بينما وعود الرئيس ترامب هي الأخطر على القضية الفلسطينية وعلى الأمة العربية.

لا شك بأن زعماء الكيان الصهيوني دأبوا وانهمكوا على نجاح مشروعهم الاستيطاني بفلسطين، وانتقلوا للعب في الساحة السياسية العالمية منذ تأسيسه، واستخدموا سلاح الإعلام والدعاية المضللة في العالم ونجحوا في تسويق أساطيرهم الدينية وأفكارهم الصهيونية، وانتزاع القرارات التي تصب في صالحهم بفعل الثراء المادي وقوة استخدامه وتكريس الهيمنة على شعوب العالم.

كل هذه العوامل التي سبق ذكرها أدت إلى ظهور جيل جديد في أمريكا متطرف دينياً انشق عن المسيحية وقيمها العظيمة، أطلق على نفسه الحركة المسيحية الصهيونية، وامتدت جذور هذه الحركة إلى بقية دول العالم، وتؤمن بعودة المسيح المنتظر وأن يكون هناك صهيون، وإعادة بناء الهيكل اليهودي المزعوم، ويتجاوز عدد مناصري هذه الحركة الـ /70/ مليون شخص، وظهر منهم زعماء وقياديون وأصحاب قرار في أمريكا وغيرها من الدول، ومن أشهرهم رونالد ريغان وجورج بوش الابن مؤلف كتاب “الفرقان” المروج كبديل للكتب السماوية، والرئيس دونالد ترامب صاحب الوعود المشؤومة والمشروع الجديد “صفقة القرن”.

تدفع الحركة المسيحية ـ الصهيونية المتطرفة بالحروب والنزاعات في العالم، وتدعم الكيان الصهيوني بإراقة الدماء في فلسطين المحتلة وفي المنطقة العربية، اعتقاداً من زعمائها الإسراع بظهور المسيح المنتظر ليقود العالم إلى السلام وبر الأمان، بعد معركة طاحنة تراق فيها دماء الملايين من البشر تسمى معركة “هرمجدون” حسب أساطيرهم ومعتقداتهم الدينية والفكرية المتطرفة.

وتعني كلمة “هرمجدون” بالعبرية جبل مجدو بفلسطين، والتناقض الغريب بهذه الرواية بأنه لا يوجد هناك جبل مجدو، وإن كان المقصود بسهل “يزرعيل” المتاخم لمجدو فهو لا يتسع لتلك الأمم والملايين التي ستصطف فيه للقتال حسب أساطيرهم الكاذبة، ولكن يذهب البعض بالتفسير بأن معركة “هرمجدون” هي بكل بقاع العالم.

ويعتنق بعض المسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب هذا الفكر المتطرف ومنهم: “آن باتوسون” السفيرة الأمريكية بالقاهرة وخلال لقاءها مع موقع إعلامي صهيوني، صرحت في الفترة الماضية: “إن عودة اليهود من الشتات إلى أرض الميعاد من النيل إلى الفرات أصبح وشيكاً”، وتوعدت بحرب “هرمجدون” التي ستجتاح المنطقة، وستشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بدعم إسرائيل ضد أعدائها العرب والمسلمين، وأقسمت السفيرة باتوسون عند حائط المبكى أن ترد لليهود حقهم وتنتقم لهم على تشتتهم في دول العالم، وأنهم سيعودون إلى أوطانهم في الدول العربية بعد طردهم منها.

ومن تصريحات السفيرة باتوسون يستنتج سبب تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره بسحب قواته من منطقة شرق الفرات في سوريا وبقائها بما يخدم أفكار وأساطير الحركة المسيحية ـ الصهيونية، والتي تصب في مصلحة توسع وامتداد المشروع الصهيوني في المنطقة العربية وتحقيق حلمهم بحدود إسرائيل من الفرات إلى النيل، لا شك بأن رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامن نتنياهو مارس ضغطاً كبيراً على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل بقاء قواته في المنطقة الشرقية بسوريا، وهذا هدف من الأهداف البعيدة لصفقة القرن.

لقد تحققت الأهداف القريبة لصفقة القرن قبل الإعلان عنها ومن هذه الأهداف:

اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الجديدة، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن، تليها وقف المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية في رام الله، وجاء بعده إعلان واشنطن فرض السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل منذ عام 1967م، وتعهد رئيس وزراء العدو بنيامن نتنياهو قبل انتخابه بضم جميع مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل، وبخصوص مفاوضات السلام وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي والجولات المكوكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحل الدولتين واتفاقية أوسلو الشهيرة، كل ما ذكر أصبح من الماضي في خبر كان، ومجرد خدعة ومضيعة للوقت ووضع الشعب الفلسطيني في دوامة لا أحد يعرف نهايتها.

وحول الأهداف البعيدة لصفقة القرن:

يبدو أن الصراع العربي الإسرائيلي طويل الأمد والحلول السياسية أصبحت في مهب الريح، وإسرائيل تؤجج نار الفتنة وتستفيد من كل الخلافات والنزاعات الداخلية في الدول العربية، التي تتلاشى قوتها العسكرية والاقتصادية على عكس الكيان الصهيوني، الذي يطور قوته العسكرية والاقتصادية والعلمية وغير ذلك.

ولا تزال هناك بنود قيد الكتمان والسرية لصفقة القرن، ولكن خيوطها تظهر للعلن من خلال تصريحات للمسؤولين الإسرائيليين، فقبل الانتخابات الإسرائيلية صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي عن نيته ضم أجزاء من الضفة الغربية لإسرائيل، وهذا يعني أن هناك ضوءً أخضراً من واشنطن وبند من بنود صفقة القرن، ويتزامن ذلك مع تقرير إسرائيلي نشر في بداية شهر نيسان الحالي، يتحدث عن وضع خطة من أجل توطين /250/ ألف يهودي في الجولان السوري المحتل، ونشر وزير الإسكان الإسرائيلي خطة يتم خلالها بناء /30/ ألف وحدة استيطانية في مدينة كتسرين الاستيطانية لاستيعابهم بحلول العام 2048م، وتشمل بناء وإنشاء مستوطنتين جديدتين في الجولان تضافا إلى /33/ مستوطنة قائمة هناك حالياً.

وفي سياق البنود المخفية لصفقة القرن، طُرح وعد من وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء خطابه أمام الجمعية الصهيونية “آيباك”، قال: “إن المكان الوحيد لإقامة دولة فلسطينية هي نصف سيناء على مساحة /30/ ألف كم مربع، وتتسع لـ/25/ مليون نسمة، وعدد الفلسطينيين /9/ مليون نسمة”، وقدم الرئيس ترامب نصائح للفلسطينيين عندما قال:”لا تضيعوا وقتكم في أرض إسرائيل بل أبدأوا بالذهاب نحو سيناء ونحن سنطلب من مصر فتح الحدود، وهكذا تكون الدولة اليهودية في إسرائيل والدولة الفلسطينية في سيناء”.

وهذا المخطط هو الأخطر على القضية الفلسطينية، ولا يخلو الأمر من مخططات وبنود سرية لصفقة القرن ستطبق على الأمة العربية بالكامل تحت شعار “خطة السلام في الشرق الأوسط”.

أما بخصوص نجاح أو فشل تنفيذ وعود ترامب المشؤومة فهذا الأمر يتعلق بمدى وعي الأجيال الصاعدة، ونضال الشعب العربي، والتزام الحكومات والأنظمة العربية برفض هذه الوعود والصفقات المشبوهة، ورفض كل أشكال الهيمنة الأمريكية والصهيونية على الأمة العربية، ومن الواجب الأخلاقي والإنساني والديني على الدول العربية والإسلامية إعلان المقاطعة الاقتصادية بشكل كامل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، كخطوة أولى.

وعلى الدول العربية وأنظمتها أن تعيد النظر في ترتيب البيت العربي من جديد، وكفى خلافات وتوريث الأحقاد والكراهية للأجيال الصاعدة التي لا ذنب لها، ويجب إعادة صياغة المشروع القومي العربي النهضوي بعد هذا الفراغ السياسي الرديء، والأهم من ذلك وعلى المدى البعيد إعادة صياغة المناهج التعليمية التي ترسخ الانتماء الوطني الصحيح، وتحث على المقاومة والكفاح المسلح، ضد دول الغطرسة والشر وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.