الاقتصاد, مقالات

“المرأة أماً وشغيلاً”

بقلم براءة دويك

تطوّر الإنسان بكلّ شيء عدا تمديد الوقت لأكثر من ٢٤ ساعة، ما زلنا نُعاني من إشكالية عدم اتساع التزاماتنا لهذا القدر من الزمن.
حين يأتي الغد، فنرى نصف إنجازات الأمس قد حققناها فقط، من ركضنا المستمر وراء الكمّ الهائل من المسؤوليات والأعمال الواجبة علينا، والأمنيات المركونة في زاوية النسيان ..

أتساءل حقاً، نحنُ النساء على الرغم من تطورات العصور المختلفة والتي سهّلت علينا أشغالاً شاقة أخذت معظم الوقت منّا سابقاً، إلا أنّ الضغط ما زال لا ينحسر أبداً، وإنما بقي على مدّ يزداد يوماً بعد يوم .

  • هل لأنّ التطور طال حقوق المرأة فتساوت أعمالها مع الرجل ،
    ولم تتساوَ أعمال الرجل معها ؟

أين المساواة المزعومة، في أن تقوم المرأة بدورين ” دور الرجل ودور المرأة على سواء ” في الوقت الذي ظنّت أنّ الحقوق التي ستُمنح لها ستجعل لها كياناً مستقلاً متقدماً، يعفيها من الخضوع المستمر أمام التزامات طبيعية – يخضع لها الرجل أيضاً – ، فأصبحت المطالبة بالمساواة مرادفة للمزيد من الواجبات والمتاعب، فتتساقط على إثره حقوقاً أخرى في سبيل تحقيقه ..
أصبحت تُعين الرجل على عمله، دون أن يقدم لها ذات العون والمساعدة، تقسّم نفسها نصفين على مدار اليوم، وكأنها خرجت عن طبيعتها البشرية كامرأة، وأصبحت تعيشُ بشقاءٍ ما بين رجلٍ وامرأة في الواجبات “. أما هو فيحافظ على طبيعته ومسؤوليته المحدودة، تحت دور واحد، دور الرجل الذي يخرج صباحاً إلى عمله ويعود مساءً ليلقى أولاده وامرأته بانتظاره.

يقول نيتشه في كتابه “ما وراء الخير والشر ” : ‏«المرأة شغيلاً» ذاك ما هو مكتوب فوق بوابة المجتمع الحديث الذي هو قيد التشكل. لكن بينما تستولي المرأة بهذه الطريقة على حقوق جديدة وتسعى إلى أن تصير «السيّد»، وتكتب على أعلامها وخِرقها «التقدم» للمرأة، يحدث بوضوح مفزع عكس ذلك: المرأة إلى تقهقر “

فنراها تقفزُ ما بين تعليمٍ ثم عمل، وتعود لمسؤولياتها البيتية من ترتيب وطبخ وتدريس أبنائها، إلى تلبية مسؤوليات علاقاتها العائلية، من مناسبات وعزائم وزيارات، ثم أخيراً عليها في نهاية يومها الشاق أن تُقابل زوجها بابتسامة ونضارة وتلبي له احتياجاته كامرأة، بعد أن تآكل جسدها، وتقصفت أظافرها، واخشوشنت يديها، واحدودب ظهرها، وأخذت الهالات حيزاً كبيراً حول عينيها، نجد أنّها تدفع ثمن مطالبتها بحريتها ” والمساواة الزائفة ” وحقوقها على حساب صحتها الجسدية والنفسية والذهنية.

ترى الوقت كرملٍ يتسرب ما بين أناملها، تتساقطُ معه واجباتٍ لم تدركها لضيق الوقت ، وربما يعتري النقص نصف حياتها، سواء عند أبنائها، أو زوجها، أو نفسها, علاقاتها الأسرية وأصدقائها، بالنهاية، هي ليست روبوتاً، قادراً على أن يوفر خدماته للجميع.

من الطبيعي ألا يكن دور المرأة كإنسانةٍ يقتصر على زاوية معينة فقط في حياتها، فكلّ أنثى تسعى لأن تفرض لها كياناً وشخصية وأثراً في بيئتها ومجتمعها، بعيداً عن أربعةِ جدرانٍ تحاصرها، لكن القوة التي امتلكتها قلبها المجتمعُ عبئاً فوق كاهلها، لقد وظفت كل أعضائها في سبيل إثبات ذاتها زوجةً وأماً وصديقةً وأختاً وابنة، وامرأة عاملة ومتعلمة، فما عادت تُسيطر على كلّ الامتيازات التي حصدتها بنفسها، لكي تكسب حقاً، عليها أن تتخلى عن آخر.

إثبات المرأة لحقوقها في كافة المجالات، أعانها على مواجهة العالم ولم يعنها على نفسها.

  • براءة دويك