الادبية, سياسية و اقتصادية

كيف يشعر المهجرين الفلسطينين عند زيارتهم لبلدهم المهجر و المحتل

بقلم المحامي جهاد أبو ريا

إلى فلسطين يعود (بعض) المهجرين إلى بيوتهم زائرين, فمنهم من يجد بيته قد محي عن الأرض ولا أثر له, ومنهم من يجد بيته مهدما بقي منه سقفه أو جدرانه, ومنهم من يجده مهشما محطما لكنه لا زال مكانه, ومنهم من يجد بيته كما كان لكن بداخله يسكن إنسان غريب.
من فترة إلى أخرى أرافق مهجرين عادوا يبحثون عن بيوتهم, عادوا زائرين بيوتهم, دائما يشغلني التناقض في هذه الكلمات: كيف لإنسان أن يعود إلى بيته زائرا!!

عادة يحضرون وفي جعبتهم خريطة للبيت والحارة والبلدة, يهربونها بسرية تامة كأنها سلاح يمنع نقله, فمنهم من يخفيها قبيل وصوله المطار في مكان سري في حقيبته, ومنهم من يرسلها لي قبل وصوله لأحفظها له لحين وصوله.

يحضرون وعندهم رغبة كبيرة للحديث عن ذكرياتهم, يحضرون وعندهم من الأسئلة والاستفسارات ما يرهق, لكن كل ذلك يتوقف مع اقترابنا إلى البلدة, إلى الحارة, إلى البيت. حينها يصمتون ويصمتون, وفقط أعينهم تتحرك وتتحدث, ويستمر الهدوء مخيما على المكان إلى أن يتعرف على أي شيء: على اثار بيت أو شجرة أو طريق حينها يعود الهرج والمرج.

تقف السيارة فيهرولون منها مسرعين باتجاه بيتهم, أو ما تبقى منه أو باتجاه آثاره أو ما يعتقدون انه بيتهم, فيقعون ويقفون خلال ركضهم, وهنا يتبدل شعور الاشتياق والرغبة بالوصول للبيت, إلى شعور بالألم والحزن وأحيانا كثيرة إلى دموع.

لكل واحد منهم, عندما يصل مكان بيته, ألمه وحزنه الخاص, ولكن الأكثر إيلاما ووجعا وحزنا لمن لا يجد أي اثر لبيته, لمن يجد أن بيته قد محي عن وجه الأرض, حينها يشعر بالإحباط, وهنا أحاول أن اخفف من حزنه فنبحث عن بيوت الأقارب والجيران أو المدرسة وعين الماء والساحة التي كانوا يلعبون بها.

وأحيانا كثيرة يتعثر عليهم وجود مكان البيت نتيجة لتغيير معالم المكان, فيخرجون خرائطهم ولما لم يسعفهم ذلك فتبدأ الاتصالات مع الأقارب كبار السن ليوجهوهم إلى المكان الصحيح.