سياسية و اقتصادية

للحقيقة وجهان ولاثلج في الافق

مقالة للكاتب موسى جرادات

هل القضية الفلسطينية في طور الافول؟ سؤال مشروع في هذا الوقت بالذات, فكل المؤشرات تدل على ذلك، فحالتنا ليست بخير, ولايمكن الركون الى التفسيرات الغيبية في الحكم على امكانية اعادة وهج القضية من جديد, فالمشهد السياسي الفلسطيني بكل منوعاته يعاني من الافول والاضمحال، لاسباب متنوعة، لكن الاهم من هذا كله ان كل القوى الفلسطينية الحاملة للمشروع الوطني وبكافة مشاربها الاديولوجية لا تدرك حتى هذه اللحظة حقيقة الوضع الكارثي التي تمر به القضية، فالمناكفات اليومية والحديث الممجوج عن المصالحة، و المستمر منذ اكثر من عشر سنوات، خير دليل على تدني حالة الادراك لدى الجميع.
فمهوم الهوية الوطنية الفلسطينية كبعد ثابت لدى حاملي لواء التحرير، لم يعد يحتل المكانة الاساسية التي بني عليها المشروع الوطني الفلسطيني ،

وبالتالي بتنا نشهد كل اشكال التدخلات الاقليمية عبر العبث في هذا المكون، مع العلم ان تلك التدخلات مرتبطة بعامل وظيفي وهو خدمة السيد الغربي الاوحد وهو الولايات المتحدة والتي تحمل على عاتقها اليوم مهمة تصفية القضية الفلسطينية وتفريغها من ركائزها ومحتواها في حين تمضي القوى الفلسطينية بمختلف تشكلاتها ومسمياتها في التسويق لكل متدخل اقليمي، مهما على شانه او مقامه او تاثيره، فبتنى نرى دويلات لا ثقل لها تاريخيا وعبر دولاراتها تدخل كاعامل فاعل ومؤثر في صناعة القرار الفلسطيني.

وحتى لا نحمل انفسنا كل المسؤولية في تلك الانهيارات، لابد من الاخذ بعين الاعتبارات ان جملة الانهيارات الكبرى في بنى الدولة الوطنية في عالمنا العربي وخاصة الدول ذات التاثير الفعال في مجرى الصراع، قد اسهمت الى حد بعيد في وصول الحالة الفلسطينية الى حافة الهاوية ، في المقابل دخول المنطقة في حالة فراغ استراتيجي بفعل تذويب وانهيار كل المشاريع القومية التي كانت الى وقت قريب حامل ومانع من تذويب القضية والاجهاز عليها غربيا لصالح دولة الاحتلال، هذا الفراغ الاستراتيجي دفع بالقوى الدولية الكبرى الى اعادة بناء المنطقة وفق منظورها، حيث يقوم تصورها على تثبيت وشرعنة دولة الاحتلال واعطاءها ادوار ووظائف كبرى اكبر من حجمها الطبيعي.
فيما بقي الفاعل السياسي الفلسطيني يحمل ارث الماضي المفكك دون ان يدرك حقيقة ان الزمن تغير, حتى وصل الامر الى خلق حالة انفصام كلي بين صانع القرار الفلسطيني (المشتت اصلا) وبين الواقع، وبينه وبين عموم الشعب الفلسطيني، واخذت المسافات بالتباعد تدريجيا، دون اي افق بالالتحام من جديد على الرغم من حالة الخطر الشديد التي وصلت اليها القضية اليوم، ودون ولادة اي حالة فلسطينية جديدة قادرة على اعادة البناء ولاحتى تبلور ملامحها في الافق المنظور، ففي العقود الثلاث الماضية انشغلت كل القوى الفلسطينية في استنزاف لغتها وفعلها وادعاءاتها، حتى وصلت اليوم الى حافة الافلاس، فلا هي اعترفت بهزيمتها ولا هي تركت بناء الخيارات لشعبها، ولا هي احجمت عن مغامراتها، حتى انقطع حبل التواصل مابين الكل الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، حيث اصبح اكثر من داخل واكثر من شتات وجميعها تعيش توهيمات كبرى دون براهين وتحاول تسويقها على عموم الشعب الفلسطيني.
ان التركيز على معطيات الواقع الفاسد الفلسطيني هو الحلقة الاولى في سياق فهم هذه اللحظة التاريخية والتي على مايبدو تاتي كمكملة منطقية وتاريخية لنكبتنا فبتنا امام نكبتين بكل ما تحمل النكبة من معنى في الوعي الفلسطيني.
وقد يقول البعض ان هذا التصور تشاؤمي مبالغ فيه، لكنه قراءة للواقع وللخروج منه لابد من الاعتراف بكل الخطايا والاخطاء التي ارتكبت في النصف قرن الاخير حتى يستطيع الفلسطيني الافلات من سكين الذبح الامريكي الاسرائيلي ودول النفط العربي التي التقت مصالحها اليوم للاجهاز على القضية واهلها .
فيا ايها الفلسطيني في كل مكان، ماذا انت فاعل امام كل تلك المعطيات؟ هل ستذهب نحو تبني لغات ليست لها على ارضك مكان؟ ام انك قادر فعلا على اجتراح المعجزات؟

موسى جرادات

كاتب فلسطيني مغترب